قرعة البطاقة الخضراء الأمريكية (DV Lottery)
تُعَدّ قرعة البطاقة الخضراء، المعروفة رسميّاً ببرنامج الهجرة العشوائية Diversity Visa، إحدى أكثر آليات الانتقال إلى الولايات المتحدة إثارةً للاهتمام والجدل في آنٍ معاً. أُقرّ البرنامج بقانون الهجرة لعام 1990 ليحقق هدفاً مزدوجاً: أوّلاً، تنويع التركيبة العِرقيّة والثقافية للمهاجرين عبر إعطاء فرصة لمواطني الدول ذات معدلات الهجرة المنخفضة تاريخيّاً؛ وثانياً، تخفيف الضغط الإداري عن برامج الهجرة القائمة على لمّ الشمل أو عقود العمل. وبموجب هذا التشريع، تطرح وزارة الخارجية الأمريكية كل عام 55 000 تأشيرة إقامة دائمة توزَّع بنظام الحصص القارية مع مراعاة حدّ أقصى لا يتجاوز 7 ٪ لأيّ دولة. يُسجَّل أكثر من عشرة ملايين شخص سنويّاً على أمل الفوز بما يشبه «تذكرة ذهبية» تفتح أبواب أكبر اقتصاد في العالم. وعلى الرغم من أنّ عنصر الحظّ هو العامل الحاسم، فإنّ البرنامج اكتسب شعبية واسعة لأنه لا يفرض شروط رأس مال أو رابط عائلي أو عرض عمل مسبق؛ بل يكفي أن يكون المتقدّم من بلد مؤهل، حاصلاً على شهادة ثانوية أو لديه خبرة مهنية عامين خلال آخر خمس سنوات في مهنة ضمن فئة DOT 4 أو 5. هذا النموذج «الديمقراطي» للهجرة يخلق طيفاً متنوّعاً من القصص الإنسانيّة: طبيب من السودان يعمل في مشفى ريفي بفلوريدا، أو معلّمة من أوكرانيا تتابع دراسات عليا في كاليفورنيا؛ جميعهم اجتمعوا عند نقطة البداية نفسها—نافذة تقديم إلكترونية مدّتها شهر واحد في أكتوبر من كل عام.
تفاصيل الأهلية وإجراءات التقديم
يبدأ الطريق بالدخول إلى الموقع الرسمي dvprogram.state.gov أثناء فترة التسجيل، إذ يملأ المتقدّم استمارة إلكترونية مجانية (DS-5501) تتطلّب بيانات أساسية تشمل الاسم كما هو في جواز السفر، تاريخ الميلاد، المدينة والدولة، المؤهل التعليمي، الحالة الاجتماعية، وعدد الأبناء غير المتزوجين تحت 21 عاماً. تُرفق صورة رقمية حديثة بخلفية بيضاء وفق مقاس 600×600 بكسل، ويُستبعد الملف أوتوماتيكيّاً إذا احتوت الصورة على ظلّ أو تعديلات فوتوشوب أو مقاس خاطئ. بعد الإرسال يحصل المتقدّم على رقم تأكيد مكوَّن من 16 محرفاً يجب الاحتفاظ به حتى موعد إعلان النتائج في أوائل مايو من العام التالي. عند الفوز، ينتقل الملف إلى مركز كنتاكي القنصلي KCC لإعادة التدقيق، ويُطلَب من الفائز ملء استمارة DS-260 الإلكترونية ثم رفع المستندات: جواز السفر، شهادة الثانوية، شهادات الميلاد والزواج، والسجلّ الجنائي. تُحدَّد المقابلة القنصلية وفق رقم حالة (Case Number)؛ فمن يحمل رقماً منخفضاً (مثلاً AF00007xxx) سيُستدعى مبكراً، بينما قد ينتظر أصحاب الأرقام المرتفعة حتى نهاية السنة المالية. خلال المقابلة تُوَجَّه أسئلة بسيطة للتأكّد من المؤهل والتعليم وصحّة العلاقة العائلية، ثم يُدفع رسم التأشيرة (330 دولاراً للفرد) نقداً في السفارة. إذا حصل الفائز على الموافقة النهائية، تُلصَق التأشيرة على الجواز، مع مُغَلَّف أصفر مختوم يُسلَّم لمسؤول الهجرة في المطار الأمريكي خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الفحص الطبي.
ما بعد الوصول وتحدّيات الاندماج
تهبط قدما المهاجر الجديد على أرض الولايات المتحدة وقد تغيّر وضعه القانوني فوراً إلى «مقيم دائم مشروط» حتى استلام البطاقة الخضراء الفعلية بالبريد خلال 30–120 يوماً. يبدأ كثيرون المرحلة الأولى بالبحث عن سكن مناسب، وغالباً ما يلجأون إلى الأقارب أو مجموعات فيسبوك للجالية لتفادي كلفة الفنادق الباهظة. التحدّي الأصعب هو دخول سوق العمل من دون خبرة أمريكية؛ لذلك يُنصح الفائزون بالتحضير مسبقاً: ترجمة شهاداتهم، توثيقها عبر WES أو ECE إن كانوا يطمحون لوظائف تتطلب اعتماداً أكاديميّاً، والتمرّن على كتابة «Resume» بصيغة إنجازات مختصرة. العقبة التالية هي الائتمان Credit Score، إذ يصعب استئجار شقة أو شراء سيارة من دون سجلّ ائتماني، ما يدفع البعض إلى الحصول على «بطاقة ائتمان مضمونة» secured card لبناء نقاطهم خلال الأشهر الأولى. من الناحية الاجتماعية، قد يصدم بعض الوافدين بفكرة الضرائب الفيدرالية والولائية المرتفعة نسبياً، لكنهم يكتشفون سريعاً شبكة الأمان (Medicaid، SNAP) المتاحة للداخلين بصفة قانونية. مع مرور الوقت يتجاوز الكثيرون صدمة الثقافة الأولى بفضل الدورات المجانية التي تقدّمها مراكز المجتمع Community College لتعليم اللغة وبرامج التوجيه المهني. وبعد خمس سنوات متتالية من الإقامة الفعلية، يصبح حامل البطاقة الخضراء مؤهّلاً للتقديم على الجنسية الأمريكية شريطة إثبات «حسن السيرة» ودفع رسوم التجنيس (760 دولاراً). وهكذا تتحوّل الحظوظ التي بدأت بنقرة زر إلى مسار حياة جديدة، شرط أن يخطّط الفرد لتعلّم مستمرّ، واندماج مالي واجتماعي، واحترام منظومة القوانين المحلية التي تعدّ حجر الزاوية للنجاح في المجتمع الأمريكي.
