فئة «المهاجرين المَهَرة» إلى نيوزيلندا (Skilled Migrant Category – SMC)

فئة «المهاجرين المَهَرة» إلى نيوزيلندا (Skilled Migrant Category – SMC)






 خلفيّة البرنامج وتطوّره   

منذ نهاية التسعينيات اعتمدت نيوزيلندا نظام نقاط للهجرة بهدف تعويض العجز المزمن في الكفاءات مقابل عدد سكّاني صغير (خمسة ملايين فقط) وسوق عمـل متخصّص في الزراعة والتقنية الحيوية والسياحة. لكن تسارع التحوّلات الاقتصادية، خصوصاً بعد الجائحة، كشف حاجة البلاد إلى إعادة تصميم مسار «المهاجرين المَهَرة» لضمان استقطاب أصحاب الرواتب المرتفعة الذين يُضيفون قيمة ابتكارية حقيقية. لذلك أعلنت حكومة ولايتي ٢٠٢٢–٢٠٢٣ إصلاحاً جذرياً يدخل حيّز التطبيق الكامل في ١٠ أكتوبر ۲۰٢٣: لم يَعُد التركيز على إجمالي النقاط فحسب، بل أُضيف معيار راتب أساسي يساوي ١٫٥ ضعف الحدّ الأدنى الوطني أو شهادة مؤهَّلة من المستوى الثامن فما فوق في إطار المؤهلات النيوزيلندية (NZQF). الهدف المعلن هو ضمان أن كل وافد جديد يملأ فجوة حقيقية في سوق العمل وليس مجرد وظيفة يمكن تدريب مقيم محلّي عليها خلال أشهر. وتاريخيّاً نجح البرنامج في تحريك الاقتصاد؛ فبيانات وزارة الأعمال والابتكار والتوظيف (MBIE) تُظهر أن المهاجرين عبر SMC يساهمون بنحو ٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويّاً رغم أنّهم أقل من ١٪ من السكّان. كذلك تفيد الدراسات أن معدل تأسيس الشركات الناشئة وسط حاملي الإقامة الدائمة أعلى ٣٠٪ مقارنةً بالمواطنين، ما يعزّز مكانة نيوزيلندا مخبراً عالمياً للتقنيات الزراعية والطاقات المتجدّدة. وإذ تتمتع البلاد بأحد أدنى معدلات الفساد وصنفتها «إيكونوميست إنتليجنس» مراراً كأكثر الديمقراطيات كفاءة، فإنّ الجمع بين شفافية الإدارة وسهولة ممارسة الأعمال يُحوِّل SMC إلى بوابة استقرار مغرية للمهندسين والأطبّاء والمحاسبين الراغبين في بيئة عمل إنجليزية الثقافة لكنها أقرب إلى نمط الحياة الهادئ مقارنةً بالجيران في أستراليا.

 شروط الأهلية وخطوات التقديم المفصّلة 


  
يُبنى النظام الحالي على ست درجات حدّية: ۶، ۷، ۸، ۹، ۱۰، ۱۱+ نقاط. يحصل المتقدّم تلقائياً على ست نقاط إذا: ١) بلغ راتبه المقترح أو الحالي ١٫٥ ضعف الحد الأدنى (نحو ٨٤ ألف دولار نيوزيلندي سنة ٢٠٢٣)، أو ٢) كان يحمل درجة ماجستير أو دكتوراه مُعترفاً بها. تضاف نقطتان إذا كان الراتب ٢ ضعف الحد الأدنى، ونقطتان إضافيتان إن وصل إلى ٣ أضعاف. في المقابل تمنح الشهادات المهنية (الطب، الطيران، الهندسة المسـجَّلة) نقطة واحدة. لا يُشترَط الحد الأدنى القديم (١٦۰ نقطة) بل يكفي الوصول إلى ست نقاط مستوفية أحد المسارات الأساسية. تبدأ العملية بتقديم «إشعار اهتمام» Expression of Interest عبر بوابة Immigration Online مقابل ۵۰۰ دولار نيوزيلندي. يجب إرفاق إثبات اللغة: IELTS General 7 على الأقل أو ما يعادله (وفق مقياس NZCLB). بعد مراجعة إلكترونية يحصل الملف على «دعوة للتقديم» ITA خلال شهرين إذا وُجدت وظيفة أو عرض عمل موثّق يتطابق مع «القائمة الخضراء للمهن» Green List، وهي لائحة مُحدَّثة كل ستة أشهر تركز على الرعاية الصحية وعلوم البيانات والإنشاءات. المرحلة التالية هي تقديم طلب الإقامة كاملاً (رسوم ٣٬٤٥٠ دولار نيوزيلندي) مرفقة بشهادة عدم محكومية وفحص طبي بالأشعة الصدرية. تشمل المستندات أيضاً عقد العمل، وكشف راتب بنكي، وتقييم مؤهلات عبر هيئة NZQA إن لم يكن المؤهل من بلد ناطق بالإنجليزية. متوسط المعالجة الرسمي ٦ أشهر، لكن ملفات المهن الطبية تُعالج أحياناً في ٤ أسابيع فقط ضمن مسار «الأولوية الحرجة». عند الموافقة يُمنَح المتقدّم وأسرته إقامة دائمة مشروطة بسنتَي إقامة فعلية داخل البلاد خلال أول أربعة أعوام؛ يمكن لاحقاً تحويلها إلى «إقامة دائمة بدون شروط» Indefinite PR ثم طلب الجنسية بعد خمس سنوات مع اجتياز اختبار القيم Kiwi.

التكيُّف العملي والحياة بعد الوصول 

  
رغم صورة نيوزيلندا كجنّة طبيعية، يواجه الوافدون الجدد مجموعة تحدّيات تبدأ بغلاء السكن في أوكلاند وويلينغتون؛ فمتوسط إيجار شقة بغرفتين يتجاوز ٦۵٠ دولاراً نيوزيلندياً أسبوعيّاً. لذا يُنصح المهاجرون بالبحث في مدن إقليمية مثل هاملتون أو كرايستشيرش، حيث تكاليف المعيشة أقل ٢٠–٣٠٪ مع فرص عمل نامية في قطاعات التصنيع واللوجستيات. على الجانب المهني، تعتمد الثقافة الكيويّة على نهج «مسطّح» بلا تدرّج هرمي حاد، وتُقدّر روح المبادرة الفردية و«الْـكاندوز» (Can-do attitude) أكثر من الأقدميّة. دخول هذه المنظومة يتطلّب التواضع والاستماع أوّلاً، ثم المبادرة بعرض حلول لا طلب تعليمات. تقدّم مؤسسات مثل Kiwi Access Service دورات مجانية حول كتابة السيرة الذاتية بصبغة NZ style، بينما يدير مجلس البلديات برنامج «مركز المهاجرين الجدد» الذي يوفّر مرشداً شخصياً six months mentoring. ومن التحديات التقنية القيادة على الجهة اليسرى، ما يستوجب استخراج رخصة محلية خلال عام. أما للأطفال فتُعتبر المدارس الحكومية رائدة في التعليم القائم على المشاريع Inquiry based learning وتَستخدِم تكنولوجيا متقدمة، إلا أنّ رسوم «التبرعات الطوعية» قد تلحقها كلفة غير متوقعة تصل إلى ١٬۰۰۰ دولار سنوياً. صحيّاً، يُسجَّل الوافد تلقائياً في نظام Public Health Service بعد الحصول على رقم NHI، لكن بعض العلاجات غير الطارئة تستوجب انتظاراً طويلاً، لذلك يلجأ كثيرون إلى التأمين الخاص (٦۰–١۰۰ دولار شهريّاً). من مزايا الإقامة الدائمة خصم ۲۵٪ على رسوم الجامعات لأبناء المهاجر، وإمكانية التمويل الحكومي للابتكار R&D حتى ۲۰٪ من كلفة المشروع. بعد بضع سنوات يبدأ الوافد بحصد ثمار استثماره: بيئة نظيفة لا تتجاوز فيها مدة التنقّل إلى العمل ٣۰ دقيقة، ونظام تقاعد «Kiwisaver» يضيف صاحب العمل فيه ۳٪ على الأقل من راتبك. كل ذلك يجعل مسار SMC نقطة انطلاق نحو مستقبل عائلي ومهني مستدام، شريطة التخطيط المالي المسبق والانخراط الثقافي النشط.

تعليقات